ثقافة عرض "فويلا لسارة باراس" بمهرجان قرطاج الدولي.. عندما يسافر بنا الفلامنكو إلى عوالم سرمدية لا تعرف الحدود والقيود
مساء أمس الثلاثاء 23 جويلية 2024، كان محبو الفلامنكو المتوافدين على مسرح قرطاج الدولي على موعد استثنائي لوّن بعضا من رمادية علقت بعتبات الحياة، وأينع زهرا بوجدان بهت وهج نجمه... موعد رقصت على زخّات أثيره أماني وأحلام تاهت عن أسرابها وأقدارها...
هذا الموعد كان عبارة عن سهرة فنيّة وقّعتها الراقصة الإسبانية الملّقبة بملكة الفلامنكو "سارة براس" تحت عنوان "فويلا" باللغة الإسبانية، ومعناه أطير ترجمة إلى اللغة العربية وفيه إيحاء منذ الإعلان عن تسمية العرض إلى روحه المفعمة بالتحرّر والسموّ ورفع رايات الانعتاق واستنشاق رحيق مختلف اللغات والحضارات.
في بداية العرض الفنّي الذي أثّثته ملكة الفلامنكو ومجموعتها الفنية المتكوّنة من 5 عازفين ومغنيين ومجموعة من الراقصات/ين، تدخل باراس لتأثيث اللوحة الأولى صحبة عازف غيتار وهي ترتدي زيا أسود اللون ورباطا ملوّنا تضعه على رقبتها وتنطلق في رسم لوحة فنية كوريغرافية تجسّد فيها مجموعة من الحركات المتناغمة بينما ينطق الغيتار وتتكلّم موسيقى الفلامنكو موشوشة أحيانا وصاخبة أحيانا أخرى..
يثور جسد الفنانة الاسبانية ويتوهّج بحركات ثائرة تخترق المشاعر وتعبر كل الأزمنة وتدقّ بطقطقاتها بوابات الأمكنة السرمدية المغلقة، تسافر بنا وتحلّق بأرواحنا نحو عوالم لا نعرف لها حدودا أو قيود ولا ندرك لها معاني أو تفاصيل... تطير بنا وتجنّح بحركاتها فتتوه بنا وتنوّمنا مغناطيسيا حتى نتناسى ضجيجا حلّ بواقعنا...
على مدى العرض الفني الذي ترسّخ في ذاكرة كلّ من حضره نجحت الراقصة الإسبانية سارة باراس وفريقها الفني من خلال أكثر من 11 لوحة كوريغرافية تداخلت فيها كل المؤثرات الفنية من ديكور وموسيقى وأزياء مختلفة ورقص على وقع ألحان فلكلورية إسبانية تداخلت فيها الآلات الموسيقية من بينها الغيتار والكاجون، نجحت في شدّ الأنظار والأنفاس وزعزعة المدارج التي ضجّت بهتاف وتصفيق عشّاق هذا الفنّ.
عبّرت سارة باراس وفرقتها من خلال هذا العرض الراقي، عن مزيج من المشاعر المتمدّدة والمعبّرة عن الكبرياء والأنفة والعنفوان التي تعكسها حركة الذراعين المرفوعتين إلى السماء والصوت القادم من القدمين الغاضبتين.
وترجمت مع فريقها من خلال اللوحات الفنية الملوّنة جملة من الأحاسيس المتناقضة الدّالة عن الفرح والشغف والجنون، وكذلك الحزن والسواد الجنائزي الذي فتح أوراقا من ظلم واضطهاد عانى منه الغجر طويلا فكان الفلامنكو صرختهم الأزلية وروحهم الأبدية التي لا تغادرهم يعبّرون من خلالها عن ركام عايشوه لزمن ويتغلّبون بها على كل أوجاعهم وأحزانهم المنثورة.
في إحدى تصريحاتها التي تحدّثت فيها عن مشاعرها خلال الرقص، تقول سارة باراس: الرقص رائع، لا سيما حين ينبع من القلب. وعندما أرقص، أشعر بالحب والموسيقى والصمت والغضب والشغف والإيقاع".
هذا العرض الذي تنوّع في لوحاته الفنية بين الرقص الفردي لسارة باراس أو الثنائي أو الباليه، كان تكريما لعرّاب الفلامينكو وعازف الغيثارة الغجري الأسطوري باكو دي لوسيا الذي كان له الفضل في تجذير وترسيخ الفلامنكو في إسبانيا وتفريعه عالميا.
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة اليونيسكو، كانت قد أدرجت سنة 2010 رقصة الفلامنكو ضمن قائمتها للتراث الثقافي المعنوي، ومنذ ذلك الحين تم إعلان يوم عالمي للفلامنكو للاحتفال بهذا الفن، ويوافق تاريخه 16 نوفمبر من كل سنة .
منارة تليجاني